تأثير القرارات الجديدة للحكومة في مجال التعليم على توجيه التلاميذ بعد البكالوريا
التوجيه مفهومه وضرورته
مما لا شك فيه أن التوجيه قرار مهم في حياة كل تلميذ يسعى إلى تحقيق
أحلامه بعد البكالوريا. و كل تلميذ يسعى لاستكمال دراسته لا بد ان يكون توجيهه
مناسبا و يختار المسلك الذي يرغب فيه و يكون قراره صائبا. وهذا ما يسمى ب
"حسن التوجيه" والذي لا يتوفق الكل في تحقيقه. وكل سوء توجيه يؤدي إلى
ما لا يحمد عقباه.
حسن التوجيه وآثاره على المسار الدراسي للتلميذ
إن التوجيه في المغرب عكس ما يظنه الكثير يبدأ منذ الصغر، فالأسرة
تلعب دورة كبيرا في توجيه أبنائها وبناتها حيث لا بد من مرافقة الابن طيلة المسار
الدراسي وتعرف ميوله واهتماماته وتوجيهه منذ الصغر حسب الميول العقلي لديه. فكثير
من الآباء يعتقدون أن مسلكا تعليميا أفضل من الآخر ولكن جميع المسالك لديها آفاق
لكن حسب ميول واهتمام التلميذ، لأن اختيار مسلك أو شعبة غير مناسبة ما هو إلا فشل
منذ البداية.
يبدأ التوجيه النفسي والعملي من الصغر اي في المرحلة الابتدائية حيث
لابد من اكتشاف وصقل مواهب التلميذ ومعرفة مدى تعلقه بالمواد التي تدرسها. حيث في
الابتدائي يدرس جميع المواد العلمية والأدبية حتى يحصل على شهادة الابتدائي وبعدها
شهادة الاعدادي. لكن هذه الشهادة الأخيرة هي التي تحدد مسار التلميذ وهنا يجب
التوقف للحظة والتفكير العميق المنتج الذي سيرشد التلميذ إلى المكان والمسلك
الصحيحين.
لا بد من مقارنة نقط المراقبة المستمرة والامتحانات التي يجتازها
التلميذ ليس في السنة الثالثة اعدادي فقط لكن في جميع السنوات التي مر منها
وتجاوزها بنجاح. رغم ان النقط تعتبر معيارا غير كافي لتحديد ميول التلميذ لكن كما
اشرنا سابقا لابد من تتبع ومراقبة التلميذ من الصغر و تشجيعه ومساعدته على اكتشاف
مساره الصحيح.
وإن حدث لم يتم توجيه الطفل منذ الصغر لابد من استدراك الأمر ولا بد
من أخذ هذا التلميذ إلى مركز أو مدرسة متخصصة في التوجيه او في تقييم مستوى
التلاميذ عبر امتحانات مختلفة يجتازها لمعرفة السبيل الذي يمكن ان يذهب فيه إلى
ابعد نقطة ممكنة.
وبذلك فإن حسن التوجيه يعتبر عنصرا لا مناص منه لنجاح التلميذ في
مستقبله وحياته الشخصية والمهنية.
آثار سوء التوجيه على التلميذ
لا يختلف اثنان في أن سوء التوجيه هو أكبر خطأ قد يُرتكب في حق التلميذ.
فالتلاميذ لا يملكون القدرة الكافية لتوجيه أنفسهم لذلك وجب على الآباء القيام بكل
ما يلزم لمساعدتهم على توجيه أنفسهم على اختيار المسلك المناسب والذي يتطابق مع
قدراتهم العقلية ورغبتهم.
اولا إن سوء توجيه التلاميذ قد يؤثر على مسارهم الدراسي وهناك من
يغادر الدراسة بسبب سوء التوجيه. وثانيا، إن لم يغادر فسيجد نفسه ملزم ان يدرس
أشياء لا تنطبق مع ميوله مما يجعله يسقط ولا ينجح في السنوات الدراسية حتى وإن لم
يسقط فهو ينجح بميزة مقبول وهو أمر لن يوصله إلى هدفه الذي هو ولوج سوق الشعل او
استكمال الدراسات العليا.
أنا حاصل على شهادة التعليم الاعدادي ماذا سأختار ؟ الآداب ام العلوم ؟
إن قرار اختيار شعبة الآداب او العلوم مرتبط بالتلميذ وليس قاعدة
عامة. ليس هناك مسلك أفضل من الآخر ولكن هناك ما يسمى ب "ميول ورغبة
المتعلم" وهذا سيحدد المسلك الذي
سيختاره سواء كان أدبيا أو علميا. ومرتبط ايضا بما ذكرناه في هذا المقال. إذ ان حسن
التوجيه يتطلب مرافقة ومراقبة المتعلم منذ صغره وذلك ما سيحدد ما يجب القيام به
بعد الحصول على شهادة التعليم الاعدادي. و في حال عدم متابعته منذ الصغر لا مشكلة
في تقييم مستوى المتعلم في العلوم و الآداب كذلك وذلك بالاستعانة بمركز متخصص في
ذلك او مدرسة تستطيع القيام بهذا الأمر وذلك ما سيحدد ميول المتعلم و سيحدد مستواه
في كلتا الشعبتين و بعد ذلك يقرر ما سيقوم به خلال ملء بطاقة الرغبات.
لم أحصل على شهادة البكالوريا بميزة جيدة ماذا سأفعل ؟
حلم كل طالب يدرس في السنة الثانية بكالوريا هو الحصول على
شهادة البكالوريا، وبمجرد تحقق حلمه، يبدأ البحث عن مستقبل أفضل. التحدي الأول
الذي يواجهه الحاصل الجديد على شهادة البكالوريا هو العثور على تعليم عالي يمكنه
من ولوج سوق العمل.
لا
يمكن ولوج المدارس العليا في المغرب إلا بعد الاختيار الأولي واختبار كتابي، وفي
بعض الأحيان يلزم إجراء اختبارات شفوية. يعتمد الاختيار الأولي بشكل أساسي
على النقط التي تم الحصول عليها في الامتحان الوطني والامتحان الجهوي. في
السابق تم تضمين نقطة المراقبة المستمرة في هذا الاختيار ولكن تم التخلي عنها الآن
لمزيد من تكافؤ الفرص.
لولوج إحدى المدارس والمعاهد العليا التي يحلم بها كل تلميذ
مغربي، يجب أن تكون قد حصلت على البكالوريا بنقطة ممتازة.
ارتفعت عتبات الانتقاء بالمدارس العليا في المغرب بشكل غير
مسبوق منذ عام 2012 ، والآن بعد أن ارتفعت نقط البكالوريا، فمن الطبيعي أن نرى
عتبات بعض المدارس تقترب من 17/20.
بالنسبة لأولئك التلاميذ الذين لا تتاح لهم الفرصة للحصول على
البكالوريا بنقط استثنائية، فإنه من الطبيعي أن يكون هناك نوع من الإحباط والاحساس
بعدم الرضا لأنك لا تستطيع دخول مدرسة عليا كباقي زملائك الذين حصلوا على نقط
مرتفعة تمكنهم من ذلك.
لكن دعنا نسأل أنفسنا هذا السؤال الواقعي:
"هل هو إلزامي الحصول على البكالوريا بميزة جيدة جدا من أجل النجاح في الحياة وولوج سوق الشغل وتحقيق حلم كبير كنت ستحققه لو حصلت على ميزة ممتازة؟"
لا
يمكننا الآن الإجابة بنعم أو لا ، لأنه سؤال معقد.
هناك عدة زوايا ممكنة للتحليل في هذا الموضوع ، وهنا العناصر
التي يجب أن تأخذها بعين الاعتبار عند محاولة الاقتراب من هذا الموضوع وفهمه:
البكالوريا هي مجرد جواز سفر
لا يمكننا أبدا أن نقول ذلك بما فيه الكفاية ، فالبكالوريا لا تقرر مصيرك ولكنها تضعك في مسار أو آخر. لا أحد يستطيع أن ينكر أن الحصول على نقطة جيدة في البكالوريا يفتح الأبواب أمام العديد من الفرص للناجحين.
تعد الجامعة فرصة كبيرة للطلبة الذين لم يحالفهم الحظ في ولوج
المدارس العليا نظرا لعدم حصولهم على ميزة تمكنهم من ذلك، فشهادة الاجازة تعد حلا
لهذه الفئة من الطلبة وتمكنهم من ولوج سوق الشغل مباشرة بعد تخرجهم وتمكنهم أيضا
من استكمال مسارهم الدراسي بولوج سلك الماستر والدكتوراه...
سيكون لنقطة البكالوريا الخاصة بك تأثير على مستقبلك، لكن هذا
التأثير يظل محدودًا في مواجهة الأحداث المستقبلية القادمة والتي ستكون أكثر
أهمية، أثناء إقامتك في الجامعة.
بمجرد عبور منطقة الجامعة، سيكون لديك العديد من الفرص التي
تقدم نفسها لك. تأكد من الاستفادة منه.
النقط الممتازة لم تكن أبدًا ضمانًا لنجاحك في الحياة
وتحقيق أحلامك:
ليس من السهل الاعتراف، ولكن هل تعتقد حقًا
أن النقط وحدها يمكنها تحديد من هو جيد ومن لا؟ بالتأكيد لا !
يعتمد نظام التنقيط الحالي على مبدأ بسيط: التعلم عن ظهر قلب ،
والإجابة على الأسئلة للحصول على نقطة جيدة. هذا النظام عفا عليه
الزمن لأنه في أنظمة التعليم المتقدمة ينصب التركيز بدلاً من ذلك على تطوير
التلميذ، وليس فقط النقط التي تم الحصول عليها في الامتحانات.
لذلك من المهم وضع النقط في منظورها الصحيح وعدم
رؤيتها كمقياس لكفاءة التلميذ أو تطوره.
الكلية هي أيضا خيار
في كل مرة نتحدث فيها إلى شخص اجتاز شهادة البكالوريا بميزة "مقبول"، ترد إلينا نفس الإجابة: "لا شيء جيد، ولا حل إلا الكلية في الوقت الحالي".
الالتحاق بالكلية ليس بشيء سيء أو أنك لست في المستوى، صدق أو
لا تصدق. يمكننا التحدث عن الظروف المتدهورة، والكم الهائل من الطلبة وغيرها
من العوائق. لكن لا يمكننا تجاهل حقيقة أن الكلية هي أيضًا مؤسسة تعليم توفر
إمكانية حصول أي طالب على شهادة جامعية، تمكنه من ولوج سوق الشغل، ولكن لا بد من
الاجتهاد والمثابرة وبذل الكثير من المجهود لبناء ذلك الحلم الذي تطمح إليه واستغلال
الفرصة لتعلم واكتساب أشياء جديدة ذاتيا أما الدروس الجامعية وحدها فهي غير كافية
لتحقيق ذلك.
على سبيل المثال، دعونا نجري مقارنة بين كليات الاقتصاد
و ENCG (المدرسة
الوطنية للتجارة والتسيير) في المغرب، تدرس كليات الاقتصاد نفس البرنامج تقريبًا
مثل برنامج ENCG. وغالبًا نفس الأساتذة الذين يدرسون
المواد في الكلية هم نفسهم من يدرسون في ENCG أيضًا.
دعنا نتحدث عن الاختلافات الآن، في برنامج الكلية لا توجد بعض
الأنشطة: العروض، البحوث و الدراسات الميدانية، التداريب الصيفية، الأنشطة
الاجتماعية، المشاريع التي سيتم تنفيذها في هذا المجال ... إلخ.
هذه القائمة من الأنشطة، تمنح ENCG بعض الأفضلية على
الكليات. نتيجة لذلك، يمكنك الدراسة في الكلية والحصول على ملف تعريف الطالب ENCG من خلال الانخراط
في هذه الأنشطة (المشاريع والعروض التقديمية والدراسات والأحداث والمؤتمرات ...
إلخ) بهذه الطريقة، ستتمكن من جعل ملفك مماثل لملف طلبة المدرسة الوطنية للتجارة
والتسيير.
يتطلب الأمر الكثير من الجهد والصبر لشق طريقك من خلال الكلية،
ولكنها ليست مهمة مستحيلة. الآلاف يفعلون ذلك كل عام، لماذا لا تفعله أنت
أيضًا؟
ليس (دائمًا) ما ستدرسه هو ما سيجعلك تعمل
في سوق العمل ، تستخدم القليل جدًا مما درسته في
الجامعة. يسألنا العديد من الطلاب السؤال التالي: "كيف يمكنني العمل
بشهادتي، في حين أننى دائمًا ما أنسى دروسي مباشرة بعد الامتحان؟"
لم يعد هذا السؤال مطروحًا بعد الآن، إلا في حالات محددة، ولكن
بشكل عام عندما تعمل لديك مهام متكررة، في اليوم الذي تشغل فيه منصبك، سيظهر لك
كيفية القيام بذلك. وسوف تكرر نفس المهام مرارًا وتكرارًا.
لا تخف من سوق العمل، ما عليك سوى الاستفادة القصوى من وقتك في
الجامعة لتطوير كل قدراتك (وليس النجاح فقط في استيفاء الوحدات).
لكن هذا لا يعني أنك لست بحاجة إلى الالتحاق بالجامعة - فهو
يمنحك التوجيه الذي تحتاجه لتكون على الطريق الصحيح.
العالم يتغير بسرعة، وسوق العمل أيضًا
في السابق، كنت تحتاج فقط إلى درجة علمية في أي تخصص كي يتم
تعيينك على الفور. اليوم العديد من خريجي البكالوريا +5 عاطلون عن العمل،
والبطالة لا تستثني أحداً في المغرب.
لا يتعلق الأمر بتوظيف المزيد من الشركات، بل أصبح سوق العمل
أكثر قدرة على المنافسة، لا سيما مع التغيرات في الاقتصاد العالمي. أصبحت
بيئة الشركات وحتى الدول مضطربة، فبدلاً من القلق والاختباء، كن ذكيًا واتبع
التغيير.
من خلال استعدادك للتغيير ستكون بالتأكيد متقدمًا أكثر بكثير
من الأشخاص الآخرين الذين يرفضونه.
الآن، تطلب الشركات ملفات تعريف متعددة
الاستخدامات لديها تخصص ولكنها أيضًا قادرة على التواصل واستخدام التكنولوجيا
والكتابة وإنشاء الشبكات وإدارة الفرق وما إلى ذلك.
تأثير القرار الحكومي الجديد على التعليم الجامعي وتوجيه التلاميذ بعد البكالوريا
مما لا شك فيه أن الكثير من الطلبة والطالبات يختارون الولوج إلى
الكلية لأنه حل أخير او أن النقط التي حلصوا عليه لا تكفي لولوج مدرسة عليا غير
الجامعة. نسبة قليلة من يختارون الكلية عن قناعة فهناك العديد من المسالك الجامعية
التي تكتظ بالطلبة وهم يعرفون انه سيحلصون على الإجازة التي تخولهم فقط لولوج مهنة
التدريس. فالكثير من الطللبة المجازين ينتظرون مباراة التعليم لولوج الوظيفة و
الهروب من شبح البطالة.
لكن المنفذ الوحيد والملجأ من البطالة تم اغلاقه بعد إقرار شروط
جديدة لولوج مهنة التدريس ابتداء من دورة دجنبر 2021 والتي تتمثل في تسقيف السن في
حدود 30 سنة و انتقاء طلبة حسب الميزة التي حصلوا عليها في البكالوريا وفي
الإجازة.
الوزارة لن تكتفي بهذه الشروط كما صرحت، وستعتمد مستقبلا الاجازة في ملية التربية كشرط انتقائي لاجتياز مباراة التعليم التي تنظمها الأكاديميات الجهوية لمهن التربية والتكوين. ويمكن للسن أن يتحدد مستقبلا في 23 أو 24 سنة.
مما يعني ان حلم الطلبة قد تبخر وان الجامعات لم تعد لها وظيفة انتاج
اساتذة الغد وكل من ولج الجامعة لن يحلم قط بولوج مهنة التدريس. فهل سيتغير توجيه
الطلبة بعد البكالوريا إلى مسالك اخرى كمسلك علوم التربية؟ هل سيفك الازدحام في
الجامعات؟ هل ستبحث الدولة عن حلول للطلبة المجازين في المسالك الجامعية غير علوم
التربية؟ هل سيتغير توجيه الطلبة بعد حصولهم على شهادة البكالوريا؟ هل سيتم اعتماد
التكوين المهني كبديل للجامعة من أجل ولوج سوق الشغل؟
كل هذه اسئلة لا بد من الاجابة عنها لمعرفة ما سيقع لتوجيه التلاميذ
مستقبلا وكذلك مصير الجامعات بعد كسر حلم الطلبة لولوج مهنة التدريس. والاجابة عن
هذه الأسئلة ستعطي سيناريوهات متنوعة يمكن صياغتها في مقالات قادمة بحول الله
وقوته.